وفقا لتقرير "العتبة نيوز" تحدث سماحة السيد الدكتور سعيد رضا العاملي الأمين العلمي للمؤتمر العالمي للإمام الرضا(ع) في الندوة التحضيرية للمؤتمر والمقامة في طهران تحت عنوان "العدالة والحضارة الإسلامية على ضوء التعاليم الرضوية"، حيث أوضح في كلمته أنّ إمامة الإمام الرضا(ع) استمرت عشرين عاما، ثلاث إلى خمس سنوات منها كانت خلال ولاية العهد، وقال: نحتاج نحن الشيعة لأن ندرس هذه المرحلة دراسة عميقة؛ فقد كانت شخصية الإمام عليه السلام شخصية تفاعلية، وقد جُمعت حواراته ومناظراته مع أتباع الأديان الأخرى في مختلف المصادر؛ ومنها الاحتجاج للطبرسي.
وأضاف: يتضح من كلمات الإمام الرضا(ع) مدى معرفته بنصوص الأديان السابقة كاليهودية والزردشتية والمسيحية، وقد قال رأس الجالوت في مناظرته الإمام: ولست أقبل منك حجه إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو بما في صحف إبراهيم و موسى، فاستدل الإمام بالتوراة والإنجيل وانتصر في هذه المناظرة؛ وهذا يعني أنّه كان يتقن التوراة أكثر من رأس الجالوت نفسه.
وأكدّ العاملي أنه نحن لدينا ثروة فكرية عظيمة مثل الإمام الرضا(ع) ولكننا لم نتمكن من الاستفادة من هذه الثروة بالشكل الأمثل، وقال: مرت ألفا سنة على عصر أفلاطون، إلا أنّه ما زال إلى اليوم مرجعا علميا، ولكننا لم نصل إلى مثل هذا النجاح في تعاليم الأئمة(ع)، لذلك يجب علينا مراجعة النصوص لوضع النظريات بناء على تعاليم القرآن والعترة.
وقال: وهذا لا يعني أن نبتعد عن النظريات في عالم اليوم ونتجاهلها، ولكن يجب علينا ألا نترك ثرواتنا العظيمة، ونتمسك بنظريات فيها شك وترديد.
وأوضح أنّ مؤتمر للعدالة والحضارة الإسلامية في التعاليم الرضوية قد أقيم لأول مرة في العام 1989، وترأسه حينها سماحة السيد قائد الثورة، وأضاف: في ذلك المؤتمر شارك مراجع تقليد من الطراز الأول، وقد أقيمت أربع دورات من المؤتمر، وفي المؤتمر الرابع شعروا بأنهم وصولوا إلى نهاية الطريق، لأنهم لم يحاولوا تقديم قراءات جديدة لأحاديث الإمام الرضا(ع) وسيرته الشريفة، فتوقف المؤتمر حتى قرر فضيلة الشيخ مروي متولي العتبة الرضوية المقدسة إعادة إحيائه.
العاملي أوضح أنّه تمّ وضع أفق مستقبلي لهذا المؤتمر يمتدّ إلى أربعة عشر عاما، وأضاف: لا يمكن أن نعرف العدالة اليوم منفصلة عن العمل الاجتماعي، ولا نستطيع أن نبحث في مسألة العدالة اليوم دون التطرق إلى موضوع غزة وما يجري فيها، لقد استشهد من أهالي غزة حتى اليوم أكثر من 14 ألف شخص، ونحن نرى اليوم هذا التعاطف والدعم العالمي للقضية الفلسطينية، وهذا يثبت أنّ مسألة العدالة والظلم ليست مسألة دينية، فردود الفعل هذه ناجمة عن الوجدان الحر العالمي لجميع الناس، وبناء عليه اخترنا أن يكون عنوان هذا المؤتمر هو "العدالة للجميع، والظلم لا لأحد".
كما بيّن الأمين العام للمؤتمر العالمي للإمام الرضا(ع) أنّ العدالة لا تعني لزوما المساواة، بل تعني منح كلّ فرد ما يستحقه في المجتمع وفي كل طبقة اجتماعية، وقال مشيرا إلى أهداف هذا المؤتمر: يمكن تلخيص أهداف إقامة المؤتمر بالنقاط التالية: تبادل الآراء حول الوصول إلى طرق لإقرار العدالة الشاملة في ظروف عالم اليوم، وتطوير المناهج والسلوكيات المبنية على العدالة، والتمسك بالقرآن الكريم كمرجعية في مسألة العدالة، والوصول إلى سبل إلى الخلاص من الظلم والتمييز الاجتماعي، وجمع الرؤى والأفكار الحالية تحت تعاليم وفكر الإمام الرضا(ع) المبني على التوحيد ونشر العدالة؛ لترسيخ القيم الإلهية بدلا الهيمنة الشيطانية، وإيجاد توافق وتناغم حول المفاهيم العامة التي تُستخدم على نطاق واسع، ومنها العدالة، والحقيقة، والكرامة، والتمييز، والظلم، والتخاصم، مع اهتمام خاص بتلك السياسات والأعمال التي تعدّ مصدرا لاضمحلال وأفول الأخلاق على مستوى العالم.
النسبية إحدى عوامل الحد من التدين في المجتمع
وأوضح العاملي أن التعددية المعرفية المؤدية إلى النسبية هي من أهم مشكلات البشر في العصر الراهن، وتابع قائلا: لقد ازدهرت النسبية الغربية في إيران لعدد من السنين وكان من آثارها تعزيز اتجاه الشك، وأنا أرى أنّ سبب انخفاض التدين عند بعض الفئات من المجتمع هو النسبية الناشئة عن التعددية.
وأكدّ سماحته أنّ العدالة هي ضرورة ملحة في الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الأفراد، وهي مسألة مستمرة لا يمكن أن تنطفئ وستستمر كقضية أساسية حتى عصر الظهور، وقال: اليوم 90 بالمئة من الثروات الأمريكية في يد 10 بالمئة من سكان تلك البلاد، وهذا الأمر موجود في عدد من الدول الأخرى أيضا، ونحن في إيران في بعض الأمور ليبراليون وفي بعضها الآخر اشتراكيون، ولم نضع برنامجا محددا وواحدا في المجال الاقتصادي، وبناء عليه ستقدم لنا كلمات الإمام الرضا(ع) في هذا المجال حلولا كثيرة ومفيدة.
وبيّن العاملي أنّ من محاور هذا المؤتمر موضوع المقاومة لأجل إقرار العدالة ورفع الظلم، وقال: يجب أن نهتم اليوم بالقضايا والمسائل الفكرية والاجتماعية الجديدة من قبيل الطلاق، والأسر ذات المعيل الواحد، والعدمية، و... الآن هناك أزمة صارخة في نظرة الإنسان إلى نفسه، وهناك الكثير من الأشخاص الذين لا يدركون هويتهم هل هم امرأة أم رجل، وذلك لأنه يوجد مناهج تعليمية إجبارية في مدراس أمريكا والدول الغربية أدت إلى هذه الأزمة، طبعا الاختلال في الهوية ليس فقط من الناحية الجنسية، بل هو في مختلف الأبعاد مما يؤدي إلى الوصول إلى العدمية.
كما أشار العاملي إلى محور آخر من محور المؤتمر وهو محور الإمام الرضا(ع) وفتح الآفاق إلى المستقبل، وقال موضحا: منهج التنويرية لدينا كان سببا في أن نعتبر مسائل وقضايا البلاد هي كمسائل نيويورك ولندن، نعم المجتمع ذهب إلى حد ما إلى ذلك الاتجاه، ولكن ينبغي ألا نعتبر قضايانا الأصيلة هي ذاتها قضاياهم، بل يجب علينا أن نرسم آفاقا واضحة لهذه الأمور بناء على التعاليم الرضوية.
كما أوضح أنّ المنهج الحضاري للإمام الرضا(ع) في نظرته لمسألة العدالة هو من المواضيع المطروحة في المؤتمر، وقال: الحضارة هي الجزء الدائم من الثقافة، التي نعيشها، وأنا أرى أنّ الثقافة هي أسلوب حياة خاص، وهذا هو السبب في التمايز والاختلاف في الثقافات بين الأقاليم المختلفة، الثقافة نوع من الهوية، والحضارة هي أمر يبقى في طيات الثقافة.
وقال: البعض مثل السيد حسين نصر يرون أنّ الحضارة هي أمر يعود إلى الماضي؛ أي أنّ الحضارة يجب أن تكون قد استقرت، ولكنني لا اعتقد بدقة هذه النظرية، وقد قال السيد القائد في بيان الخطوة الثانية للثورة أنّ الركنان الأساس في الحضارة الإسلامية هما التوحيد والعدالة، الحضارة هي أمر بدأ في الماضي وما زال مستمرا وهو ممكن في أفق المستقبل، وأمام الحضارة طريق طويل، وبناء عليه اخترنا أن تكون الحضارة إحدى محاور المؤتمر.
وأضاف: نحن نهدف إلى جمع العلماء والمفكرين الذين لديهم آراء وأفكار في مركز العلوم الرضوية الثقافي، حتى يقوموا هناك بالبحث ودراسة المسائل والتحديات الاجتماعية للعالم المعاصر؛ فعلى سبيل المثال لو بحثنا في ظاهرة الحرب، نجد أنه في حرب فيتنام لوحدها قتل ثلاثة ملايين ونصف المليون إنسان، وقد قال كارتر أنّ أمريكا منذ بداية تأسيسها عاشت 16 عاما فقط بلا حرب.
تعليقك